رامبرنت عبقري أجداده من الخبازين
أبوه كان خبازاً، وكذلك جده...
لكنه ولد بعجينة مختلفة عن عجينة الخبازين .. إنها عجينة السماء التي جعلته عبقري عصره ومعجزة زمانه
...
أنه بإجماع النقاد والمؤرخين .. أعظم مصور أنجبه التاريخ ...
مؤخراً بيعت إحدى لوحاته في مزاد لندن بمليونين وربع مليون دولار ..
إنه رامبرنت الذي استطاع ترويض النور والظل ..
لكنه مع الأسف مات معدماً ... لا يملك سنتاً واحداً .. ومفلساً يطارده الدائنون
إنه ...
رامبرنت
رسام هولندي... ولد في مدينة (لايدن) 15 يوليو عام 1606م. وكان يمثل قمة
النهضة الهولندية .. كما يعد من أحد عباقرة الفن في العالم , تميز بغزارة
انتاجه إذ ينسب إليه نحو 600 لوحة , ورامبرانت من أقرب الفنانين إلى قلب
الإنسانية لأنه عرف كيف ينقل أفراحها وأحزانها ويحيلها إلى أشكال لونية
رائعة من الظلال والنور , وهو يعد من أكثر الرسامين الذين اهتموا بتصوير
أنفسهم حيث بلغ عدد تلك الصور الشخصية حوالي المئة لوحة , وكان رامبرانت
شغوفاً بوجه الإنسان وتعابير الوجه التي كان بارعاً في تصويرها , بالإضافة
إلى اهتمامه بالموضوعات التاريخية والمناظر الطبيعية ومشاهد الحياة
اليومية ..
دورية
الليل : طلب أعضاء الرابطة العسكرية – و عددهم 17 – من رامبرانت أن يرسم
لهم صورة جماعية ( بورتريه جماعي .. و كان شائعا حينها ) مقابل مبلغ من
المال . و لكن رامبرنت لم يتقيد بما طلبوا فرسم 28 رجلا بدلا من 17 و جعل
بينهم فتاة ذات ثوب حريري أبيض .. تزيد من حدة الصراع بين الضوء و الظل .
مما أثار غضب أعضاء الرابطة فطالبوا باسترداد أموالهم . و الانطباع الأول
الذي تخلّفه اللوحة هو الإحساس بالحركة فقد آثَـر رامبرنت أن يعرض شخوصه و
كأنهم منطلقون لتلبية نداء الواجب بعيدا عن وضعيّـات الجلوس أو الوقوف
المعتادة في الصور الشخصية . و نلاحظ أن الضوء يسطع في وسط اللوحة ( حيث
الكابتن باننج يشرح خطّته الحربية للضابط المناوب ) مما يوحي كذلك بالحركة
و الانطلاق .
--
لقد كان بارعاً في اقتناص ملامح الوجه
وتأكيد الشخصية .. رسم أمه وزوجته وخليلته وأبنائه وأصدقائه ورسم نفسه
عشرات المرات.. كما انه برع في تصوير الاشخاص والتعابير الانسانية العميقة
والمتداخلة والمفعمة بالحزن والشقاء والمعاناة في كثير من لوحاته
المستوحاة من القصص الدينية والاسطورية التي تطرق الى بعضها اكثر من مرة
خلال مشواره الفني.
--
بالحديث
عن فن رامبرانت وتطوراته في إستخدام تقنيات الرسم وتصوير المشاهد. قام"
رامبرانت "بنقل القصة الاسطورة المشهورة عن "دليلة وشمشون" وهي منقولة من
التوراة مع دراسة معمقة للحدث والشخصيات والتعابير الوجهية لكل شخص على
حدة في لوحته المشهورة "قلع عيني شمشون" (هي لوحة بالالوان الزيتية على
قماشة رسمها عام 1636 قياس 206*276سم, وهي ما زالت محفوظة في متحف الفن
الشعبي في فرانكفورت. وكان هدف رامبرانت من تصوير ذروة العمل الخارجي هو
الوصول الى تقديم واضح للغاية للحدث موضوع اللوحة وجعل المراقب شاهد عيان
يدرك المشهد بنفسه بصورة مباشرة. ومن الواضح انه كلما امعنا النظر الى
اللوحة نفهم ان الوسيلة المتطرفة التي اراد رامبرانت من خلالها جعل ما
صوره على اللوحة يفهم على انه حركة تحصل بالفعل كشفت في وقت واحد واقع ان
الصورة تساعد ايضاً المشاهد في تخيل المجرى المقصود للاحداث في ذهنه اذ لا
يمكنه من رؤية الاحداث كشيء حدث فعلاً في الصورة.
قلع عيني شمشون"The Blinding of Samson إن
العمل الذي نراه أعلاه تظهر الإشارات الأولى المهمة في الإتجاه الذي
أختاره "رامبرانت" في تصوير شخوص لوحاته وهم مستغرقون بعملهم دون لفت
الانتباه. وهذا لا يحصر المفهوم الانشائي لهذه المشاهد المراقب عن المشهد
الذي يمر بسرعة لأن "رامبرانت" أدخل فيه تلميحات إلى ما حدث في السابق
وإلى ما سوف يحدث في المستقبل. فقد ظهر في لوحة "قلع عيني شمشون" جنود
آخرون بالإضافة الى الجندي الذي يغرز خنجره في عين "شمشون" وتصوير عين
الضحية والدماء التي انفجرت من عيني "شمشون" بعد ذلك. وايضاً ادخل رامبرنت
جنديا اخر تمدد تحت شمشون ليمنعه من التحرك واخر يربط معصم شمشون بجنزير
واخر يقترب من خلف "شمشون" رافعا سيفه, وقد فتح فمه وعينيه متعجباً ,ورابع
يوجه حربته نحو" شمشون" على إستعداد تام لغرز حربته في صدر "شمشون" في حال
تمكن "شمشون" من الإفلات بعد أن فقد شعر رأسه الذي يمنحه القوة الهائلة
,حسب ما جاء في التوراة. وايضاً اظهر "رامبرانت" في خلف اللوحة "دليله"
وهي تحاول الهرب خلف الجندي الذي يحمل الحربة وهي تمسك بيدها المقص الذي
استعملته لقص شعر "شمشون" وخصلة الشعر التي قصتها من رأسه..!!
كما
لاحظنا في هذا العمل فان كل شخص يساهم بطريقته الخاصة في تصوير المشهد
الكامل ولحظة" قلع عيني شمشون". وفي حين ان "رامبرانت" رسم "دليله" وهي
تهرب من المشهد لم يعد واقع الخليلة الخائنة التي قصت شعر رأس حبيبها
متروكاً لخيال المشاهد. لأن "رامبرانت" أظهرها ايضاً وهي تمسك بالمقص
وبخصلة الشعر. لقد استطاع "رامبرانت" من عرض المراحل المتتابعة للحدث في
اللوحة ذاتها وهي الإسلوب الذي أتبعه "رامبرانت" ابتداء من عام 1929 إلى
نهاية حياته ..!!
و هذا جانب من اعماله العظيمة